أسئلة الطفل 1


   نعتبر نحن الآباء نافذة الطفل نحو العالم والبوابة الأولى للمعرفة والمصدر الأول للمعلومات والمعارف والحقائق المكتسبة، فمن منا لم يواجهه طفله بسؤال غير متوقع؟ ومن منا لم يمطره الطفل بوابل من الأسئلة خصوصا في مرحلة الطفولة المبكرة؟  كيف كانت ردود أفعالنا حينها هل كانت ردودا إيجابية أم كانت سلبية؟ تذكرون....تحدثنا في موضوع سابق عن خصائص تلك المرحلة وذكرنا أن من أهم ما يميزمرحلة الطفولة المبكرة كثرة أسئلة الطفل، إخواني المربين استعدوا فحديثنا اليوم عن أسئلة الطفل المحرجة، محرجة قلت محرجة؟؟ لماذا هي محرجة؟ يجيبنا الدكتور مصطفى أبو السعد قائلا: "كل الأسئلة التي يطرحها الإبن قد تصبح محرجة للآباء والأمهات الذين استقالوا عن إعطاء ومنح أبنائهم فرصة الحديث والحوار معهم"، فهل تحرجك أسئلة طفلك؟

   بداية علينا أن نعرف أن الطفل يطرح أسئلة كثيرة في مرحلة متقدمة من العمر في محاولة جادة من قبله لفهم العالم من حوله وتكوين مواقف منه وأيضا في محاولة إيجاد مكان لنفسه (كالاعتبار والقبول) هذه الأسئلة التي تؤرّقه إن لم يجد إجابة عنها،لأنها حاجة طبيعية تقتضيه النمو العقلي والحسي للطفل، لأنها أيضا حاجة نفسية عند الإنسان تقتضيها مشاعره وحواسه كي تنمو وتنضج، ويكبر إدراكه ويتقوى من خلال هذه الأسئلة النّاجمة عن عدة دوافع كالخوف والقلق والرغبة في الاطمئنان (لعدم وجود خبرة سابقة مباشرة فيسألون عما يخافون منه للشعور بالأمن والطمأنينة)، حب الاستطلاع والرغبة في المعرفة، جذب الانتباه والحصول عليه، إتقان شيء جديد كاللغة التي يمارسها ويتباهى بها، وأخيرا المقاومة والتمرد والسخط على الكبار.




   يطلق الطفل سؤاله البسيط الساذج عن رغبة صادقة في المعرفة واكتشاف العالم الذي يحيط به هذا السؤال الذي لا يجد إلا صدّا وإهمالا من بعض الآباء والمربين الذين يرتكبون أخطاءا جسيمة حيال ذلك،إما جهلا منهم بالجواب، إما لغرابة سؤال الصغير وتفاهته، إما لصعوبة السؤال الذي يطرحه خاصة في السؤال المتصل بجانب من جوانب المحرمات الإجتماعية والأخلاقية التي لا يسمح بتناولها إلا في سن معين، وإما لأنها أسئلة غير مباشرة فيجهل الوالدين ما يريد الطفل معرفته.هي أخطاء على كل مربي معرفتها لتفاديها "يعرف السمّ ليتّقى"، لأنها تقتل مهارات التعلم لدى الطفل وإشباع حاجته للمعرفة أهمها اعتبار أسئلة الطفل غريبة لا ينبغي أن يسألها، التجاهل والتهرب من الرد على أسئلته سواءا من ملامح الوجه وحركات الجسم أو تغيير الموضوع أو تأجيل السؤال (فيما بعد ، بعدين)، الرد المباشر وتوجيه الرسائل السلبية  (مثل سؤالك يزعجني، أنت تسأل كثيرا، أنت تزعجني بأسئلتك سيئة الأدب،أسئلتك كثيرة وتافهة، توقف عن طرح هذه الأسئلة)، الإجابة غير مقنعة أو غير صحيحة أصلا، الكذب على الطفل بدعوى أنه صغير وأنه لا يفهم، إظهار الحرج من السؤال أو قول سؤالك محرج، والأدهى والأمر قمع الطفل عند السؤال والرد عليه بعنف وشدة.

   فما هي الطرق أو المبادئ أو القواعد الصحيحة للتعامل مع أسئلة الطفل؟

   كن مستعدا وأجب الطفل عن أي سؤال يطرحه مهما كان نوعه ومهما كان موضوعه وأنت مرتاح وواثق من نفسك دون تهرب أو ارتباك أو تلعثم أو إظهار الحرج، استقبل أسئلته باهتمام وبصدر رحب، واختر الأسلوب الذي يتناسب وقدرات الطفل ومرحلة نموه، اختر العبارات المناسبة لعمر الطفل وخصوصا المتداولة بينكم، وهيء الجو المناسب لذلك، يجب أن تكون إجابتك محددة مبسطة، قصيرة وحسب درجة ذكاء الطفل، لا يتطلب الأمر التدقيق والدخول في التفاصيل التي تفتح الطريق للتعمق في أسئلة أخرى. أنصت لأسئلة طفلك وأصغي إليها باهتمام ففي كثير من الأسئلة الطفل لا يريد أجوبة بل يريد إنصاتا، يريد أن يجذب انتباهك لتنصت له فالحاجة إلى الإنصات هي حاجة إلى الاهتمام والاهتمام يشبع الحاجة إلى الحب والطمأنينة والاعتبار، فبالإصغاء يشعر الطفل بالاحترام والتقدير والاطمئنان والثقة بالنفس. أصدقه القول واحذر الكذب عليه، وتحر الصّدق في الإجابة وبكل أمانة بإعطاء حقائق علمية مبسطة بلغة مفهومة وبالمفردات التي تعود عليها. كن لطيفا معه أثناء الإجابة وأثناء الإنصات وأبد إعجابا وتقديرا له، وشجّعه أن يسأل وإذا سأل امدحه،احضنه واشكره لأنه  سأل. وأخيرا اعلم أن بعض الأطفال يطرحون أسئلة لا يقصدون بها مجرد الإجابة العلمية، لكن هناك دافع وراء السؤال ابحث عنه واهتم به وعالجه.

   كانت هذه أهم النقاط التي أردت ان أركز عليها في الموضوع وللحديث بقية في تدوينات لاحقة إن شاء الله، قبل ذلك نريد أن نتعرف على مواقف محرجة حصلت لكم مع أسئلة أطفالكم وكيف كانت ردة فعلكم،. شاركونا تعليقاتكم فنريد أن نسمع منكم وممن كان له سبق في التربية لا تبخلوا علينا.
إقرأ المزيد

حاجة الطفل إلى الحب



   تحدثنا في موضوع سابق عن حاجة الطفل إلى القبول وذكرنا أن أغلب السلوكيات المزعجة أو المضطربة التي نراها في الطفل سببها خاصة عدم إشباع إحدى حاجياته النفسية ومن بين هذه الحاجيات حاجة الطفل إلى الحب والمودة والحنان. كل أمهات وآباء العالم يحبون أبناءهم ولكن في ظل الحياة السريعة التي نعيشها بما تحويها من مشاكل وصعوبات وتحديات، فهل يحصل أبناؤنا على الجرعة المناسبة من الحب كي ينشؤوا النشأة الصحيحة؟


   الحب مشاعر رقيقة تعبر عن الجانب الإنساني للإنسان وعاطفة قوية تجعله يشعر بالسعادة والارتياح، الحب إعجاب وانجذاب، الحب حرص واهتمام،الحب أمان واطمئنان ، الحب رعاية ورحمة، الحب استقرار وسكينة. 
   يحتاج الطفل في الأيام المبكرة من حياته إلى الحب والحنان وتعتبر الأم المصدر الأول لهذا الحب، فحب الأم لطفلها سيرسم الخطوط العريضة الأولى لتصرفات الطفل المستقبلية من حب وكراهة، رفق ولين، قسوة وخشونة وأيضا ملامح شخصيته ضعيف أم قوي، انطوائي أو اجتماعي، وليصل الطفل إلى مرحلة حب المجتمع لابد أن يمر أولا عبر مرحلة حب العائلة، فالحب ضروري لشعور الأطفال بتقبل واهتمام الآخرين بهم، وهذا يحقق التوازن الانفعالي اتجاه مواقف الحياة المختلفة خاصة العلاقات الاجتماعية.


   الحب الذي يحتاجه الطفل والذي نقصده هو الحب بلا شروط أي أن يكون الطفل محبوب كفرد ومرغوب فيه لذاته وأنه موضع إعتزاز وحب الآخرين، فالأصل أن يكون الطفل محبوب من الرغم من عدم الرضى عن سلوكياته وتصرفاته الخاطئة ، واعتراضنا يجب أن يكون على السلوك وليس على شخص الطفل بمعنى عندما يخطئ الطفل لا تقم بانتقاده ولكن قم بانتقاد السلوك الصادر عنه.



   الافتقار إلى عاطفة الحب والحنان يفقد الطفل أمانه النفسي، فالطفل الذي لا يشعر بالأمان النفسي كثير الانفعال سيء المزاج قليل النشاط، لأنه لا يمكن بناء وتكامل القوى العقلية والفكرية للطفل إلا في ظل محيطها الهادئ  المليء بالحب، وفقدان المشاعر يؤدي إلى الانطوائية وعدم المقدرة على مواجهة المجتمع والعالم الخارجي. وللحرمان العاطفي آثار في السنوات الأولى من عمر الطفل كالتبول اللائرادي، الصراخ أثناء النوم، الأرق، حركات شاذة للفت النظر... أيضا ينمو عصبي المزاج، ناقم ،خشن،عنيف، سيء الظن..... مجموعة من المشاعر المرفوضة التي تؤدي مستقبلا إلى طريق خاطئ لا تحمد عقباه وتؤدي غالبا إلى الانحراف لأنه سيستسلم في النهاية لأي حب سواءا كان كاذبا أو حقيقيا، يمكننا أن نقول أن الطفل الذي يعاني الحرمان العاطفي من عائلته سيبحث عن العاطفة والحب خارج بيته عندما يكبر خاصة في سن المراهقة، والطفل إذا أحس بقسوة وغلظة وبغض والده وعدم إظهار المودة والحب له سينحرف قصد إقلاقه وإزعاجه وإتعاسه وانتقاما منه.


   ليس من الحب استخدام أسلوب العقل والمنطق في تربية الطفل وتعليمه، ليس من الحب ممارسة السلطة والتحكم في الطفل و التغاضي عن احتياجاته، ليس من الحب عدم الاكتراث لمشاعر الطفل وأحاسيسه، ليس من الحب تدليل الطفل وتلبية جميع رغباته، ليس من الحب أن تفضل ابنا على آخر أو أن تهين ابنك أمام أقرانه.

   لا إفراط في الحب ولا تفريط... الإفراط في حب الطفل له عواقب وخيمة وأضرار جسيمة كاللامسؤولية والاتّكالية، والاستبداد والاعتداء على حقوق الآخرين بعدما صار من المدلّلين. لذا علينا كآباء ومربين أن نحرص على نشر الحب في بيوتنا وزرعه في قلوب أبنائنا باعتدال لتقوم حياتهم بين الخوف والرجاء.


   يقول فرويد: "ضروري جدا إشباع الحاجات النفسية، فالإحساس بالفراغ النفسي يؤدي إلى تعميق الشعور بالنقص والدونية والقلق والتشاؤم، ومثل هذه المشاعر المحبطة تهيؤ للفرد سبل الانحراف والتخلق بأخلاق معينة غير مقبولة أدبيا واجتماعيا".


إقرأ المزيد

تقبل مشاعر الطفل


   الأطفال كتلة ضخمة من المشاعر الجياشة ومخزون هائل من الأحاسيس القوية،هذه المشاعر التي لا يجيدون التعبير عنها بوضوح. قبل أن أكون أما كنت أرى الكثير من الأمهات يعانين من مشاكل مع أولادهن، وكنت أتساءل لماذا بعض الآباء لديهم مشاكل مع الأولاد؟ لما بعض البيوت لا تكاد تخلو من الصراخ والتعنيف والضرب والتهديد؟ هل حقا هذه هي التربية الصحيحة والطريقة الناجعة والمعاملة السليمة؟؟؟ لابد من وجود طرق أخرى بديلة، لكن في رأيي كان هذا الطريق الأسهل الذي يتبعه بعض الآباء للحصول على النتائج الأسرع التي ترضيهم على المدى القريب ولها آثار سلبية على المدى البعيد.
   
   صحيح أن الحياة مع الأولاد وتربيتهم قد تكون منهكة ولكن قد تكون ممتعة أيضا، فمن منا لا يريد أن يجعل من حياته مع أولاده متعة؟

   إن كل أم تريد أن تكون علاقتها بطفلها جيدة وعندما يبدأ يوم جديد قد تقول في نفسها "اليوم سيكون مختلفا، سأحاول أن أكون اليوم أفضل في علاقتي مع أولادي" ماذا بعد ذلك؟ لا يكاد يبدأ اليوم حتى تدخل في مناقشات عقيمة مع الأولاد، يبدأ التوتر وتبدأ الأصوات تعلو يبدأ الصبر ينفذ والضغط يرتفع و...وتنفجر الأم وليس بعد الانفجار إلا الدّمار، تفشل الأم المسكينة في الحديث مع أولادها وإيجاد حلول مناسبة، يا لخيبة الأمل. أليس هذا ما يحدث في بعض البيوت؟

   محادثاتنا مع أولادنا كانت تتحول إلى مناقشات لا طائل منها، لأننا كنا نريد أن يثق الطفل في مدركاتنا ويعتمد عليها، ويهمل مدركاته ولا يثق فيها.
   مشكلتنا أننا لا نتقبل مشاعر أطفالنا فهناك علاقة وثيقة بين مشاعر الطفل وسلوكه. الشعور الصحيح يؤدي إلى السلوك الصحيح، ورفضنا المستمر لمشاعر أبنائنا شوّشهم وأغضبهم وأسخطهم وعلّمهم أن يتجاهلوا مشاعرهم ولا يثقوا بها.


  تريد أن تعرف بما يشعر طفلك؟ ضع نفسك مكانه، كيف ستوصل شعورك كطفل لمن حولك؟؟؟ كل واحد منا شخص مستقل وله مشاعر مختلفة ولا أحد منا على صواب أو على خطأ.ماذا يعني هذا الكلام؟ إذا كنت أنت تشعر بالبرد مثلا فهذا لا يعني بالضرورة أن أشعر بالبرد مثلك، فهل إذا شعرت بالبرد فأنا على صواب ولأنك لم تشعر بالبرد مثلي فإنك تكون مخطئا؟وكذلك الأمر بالنسبة للطفل.في بعض الأحيان يطلق الأولاد بعض التعابير التي تؤدي بشكل آلي لرفضنا لهم لماذا؟ "عندما يتعلق الأمر بشيء يغضبك أو يقلقك لن تستطيع أن تتقبل مشاعر ابنك" مثلا لو أخبرك ابنك بأنه يبغض أمك(جدته) كيف ستكون ردة فعلك...؟ لا أحد منا يتقبل ذلك إنها مشاعر مرفوضة، ما رأيك؟ عندما تكون منزعجا أو متألما ماهو آخر شيء تودّ سماعه؟ أليست النصيحة ووجهات النظر هي آخر شيء تودّ سماعه...؟ أكيد عندما تكون متألما ستكون بحاجة إلى أحد يتعرف ألمك الداخلي ويفسح لك المجال للحديث عما يزعجك ليخفّ ضيقك وتستطيع التغلب على مشكلتك، وهكذا تجري الأمور مع الأطفال.

   الأطفال هم كذلك بحاجة إلى لغة التعاطف، هذه اللغة التي ربما لا تأتي إلينا بشكل طبيعي وقليل هم الآباء الذين يتقنون هذه اللغة (جعلنا الله وإيّاكم ممن يجيد لغة التعاطف مع أبنائه) لأنها ليست جزءا من لغتنا الأم... لأننا نشأنا وفي داخلنا مشاعر مرفوضة... ولكي نطلق لساننا بلغة المشاعر الجديدة علينا أن نتعلم ونمارس طرقها.
إقرأ المزيد