في الزقاق الذي يوجد فيهِ بيتنا ، معظم
العوائل لهم أطفالٌ دون الخامسة عشر من العمر.. وحين يجتمعون عادةً ،
خصوصاً ونحن الآن في العطلة الصيفية ، وحيث انهم لم يتعوّدوا التحدث بصوتٍ
عادي ، فإن الضجيج يتعالى ، وكما يبدو .. فإن مَنْ يصرخ بِقُوة أكبَر، هو
الأشطر والأجدَر بزعامة المجموعة !. ولأن شبابيكنا حديدية قديمة ، وليست من
البلاستك العازل للصوت .. فأن الصخب الناتج من إجتماع الاطفال ، يَقُض
مضاجعنا ، ويمنع الإسترخاء او النوم منذ ماقبل الظهيرة وحتى العاشرة مساءاً
. وعلى الأغلب هُم يلعبون الكُرة ، وأحيانا ترتطم الكرة بحماية الشباك
الحديدية ، فيتولدُ صوتٌ كأنه إنفجار ، لاسيما إذا كنتَ غافلاً أو
مُستغرقاً في القراءة .. وطالما هرعتُ لتقريعهم ولعنة سنسفيل آبائهم ..
ولكن بدون أية جدوى ! . ومن الطبيعي انهم يتشاجرون بين الفينة والأخرى
ويتبادلون الشتائم العجيبة والغريبة ، ثم يتصالحون وتهدأ الامور لبعض الوقت
.. فتَعْتقِد انهم تعبوا ورجعوا الى بيوتهم ، ولكن فرحتكَ لاتستمر طويلاً
.. فسُرعانَ ما يتعالى الصياح مرةً اُخرى !.
تحدثتُ مراتٍ عديدة الى
آباء بعضهم ، حول خطأ ترك أطفالهم في الشارع لفتراتٍ طويلة ، والخطورة
الصحية والاجتماعية الناتجة عن ذلك ، والعادات السيئة التي رُبما
سيكتسبونها .. ولكن واحداً منهم افحمني بهدوءٍ وبكلماتٍ بسيطة .. حيث قال :
ماذا تريدهُم ان يفعلوا ؟ لو كُنْتَ مكانهم ، لفَعلْتَ نفس الشئ ...
البيوت صغيرة وضيقة ، وفي الحقيقة نحنُ أهاليهم ، اي الآباء والاُمهات ،
ندفعهم ونشجعهم على الخروج .. فكما تعرف معظم دورنا مُكتظة والغرفة التي من
المفروض ان يعيش فيها شخصان ، تضمُ اربعة او خمسة من الاطفال الذين تتراوح
أعمارهم بين الخامسة والسادسة عشر ... ومن المتوقع ان " يفرض " الاخ
الكبير هيبته ونفوذه على الأصغر منه ويتحكم فيه ويستغله.. والصِغارالذين
تعودوا على ان شكاوايهم التي يعرضونها ، على الوالِدَين ، تذهب أدراج
الرِياح ! . لأن الشائع هو ان الأب أيضاً " يُسيطر " من جانبهِ على الأم ،
ويُمارس سُلطته الأبوية الذكورية على الجميع .. مِما يجعله ( يتفّهَم )
تصرفات إبنه الكبير . أما الام التي لاتستطيع تحجيم حتى اطفالها الصِغار ،
فأنها لاتُمانع ان يقوم أحد ما بالقيامِ بذلك نيابةً عنها ! . ثم ان بقية
القصة ، تعرفها جيداً .. في الخارج ، لاتوجد في المحلة كُلها ، ساحات
يلعبون فيها ، ولا حدائق يستطيعون االجَري فيها والحَركة ، ولا مراكز عامة
للشباب ، لتنمية قدراتهم الفنية والعلمية .. وكما تدرك ، فأن الاطفال في
هذه الأعمار يمتلكون طاقة كبيرة ، وهي بحاجة الى التنفيس والتحَرُر ..
فماذا يفعلون بالله عليك ؟ معظمنا نحن الآباء ، لانستطيع ان نُوّفِر لهم
أجواء مُناسبة في منازلنا ، وفي المحلة لاتوجد أي أماكن لإستيعابهم
ورعايتهم ... فهَل لهُم غير الزُقاق لكي يلعبوا ويتحركوا فيه ؟ حتى لو
ذهبوا الى أزقةٍ اُخرى ، فأن المُشاجرات والمُشاحنات سوف تحدث ، وسوف تكون النتائج أسوأ ... فبالله عليك ، دَعهم هنا ، يفعلون ما يشاؤون تحتَ أنظارنا
، فذلك أهوَن الشرور !.
مسؤولية المجتمع ، تتجلى في إستمرار عادة
التكاثر غير المنضبطة وغير المدروسة ، حيث ان تحديد النسل لم يكن من
الأشياء التي يُفكرون بها " لغاية السنوات القليلة الماضية ، حيث ان الجيل
الحالي يميل الى الإكتفاء بطفلَين او ثلاثة فقط " ، فترى معظم العوائل
تتكون من ما بين 7 / 10 أشخاص ، ومن الطبيعي ان يحدث خللٌ ما بينَ الموارد
المحدودة ، وبين المصاريف المتزايدة .. والتي يدفع الاطفال على الأغلب ،
ثمنَ هذا الخلل ، ويتحملون نتائجه السيئة . إضافةً الى ضعف وعي العديد من
الآباء والأمهات ، في مجال تربية أطفالهم .
أما الدولة ، فتتحّمل المسؤولية الأكبر ، في عدم توفيرها مُستلزمات رعاية الاطفال ، وإنعدام التخطيط السليم الهادف الى التنمية البشرية ، لاسيما في مرحلة الطفولة والشباب .. ان الإستثمار الناجح يكمن في تطوير مناهج التربية والتعليم والرعاية الصحية والسكن اللائق والتغذية المتوازنة .. وهذه كُلها من أولويات واجبات الدولة والتي ينبغي توفيرها لكُل المواطنين .
أما الدولة ، فتتحّمل المسؤولية الأكبر ، في عدم توفيرها مُستلزمات رعاية الاطفال ، وإنعدام التخطيط السليم الهادف الى التنمية البشرية ، لاسيما في مرحلة الطفولة والشباب .. ان الإستثمار الناجح يكمن في تطوير مناهج التربية والتعليم والرعاية الصحية والسكن اللائق والتغذية المتوازنة .. وهذه كُلها من أولويات واجبات الدولة والتي ينبغي توفيرها لكُل المواطنين .
إن ترك
الأطفال في المراحل العُمرية المُختلفة ، أثناء العطلة الصيفية الطويلة ..
تركهم للشارع والزُقاق ، إهمالٌ مُستَهجَن من قِبل الحكومة والدولة
ومؤسساتها ... ينبغي الإسراع في إتخاذ خطوات عملية لِمُعالجة الأمر ..
وتوفير الساحات المُناسبة والحدائق والمراكز والقاعات ، والكادر المتخصص
لرعاية وتطوير هذه البراعم .. التي هي مُستقبل هذا الوطن .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق