يوم العلم

   السلام عليكم إخواني المتابعين، هذه هي تدوينتي الثانية لنهار اليوم، أدرجتها تحت قسم "على الهامش" هذا القسم الذي وضعته خصيصا للتدوينات الخارجة عن موضوع التربية، لنقل وضعته أيضا للتواصل مع زواري الأعزاء، وأيضا للمناسبات الخاصّة.
اليوم هو السادس عشر من شهر أبريل، يعتبر هذا اليوم من كل عام ، يوم العلم في الجزائر، لذا أردت أن لا أفوّت الفرصة للحديث قليلا عن هذه المناسبة التي توافق تاريخ وفاة الشيخ عبد الحميد بن باديس.فماذا فعل هذا الرجل العظيم في حياته لتكون ذكرى وفاته يوما يحتفل به تحت شعار يوم العلم؟
   
   كانت الجزائر أول أقطار العالم العربي وقوعًا تحت براثن الاحتلال،  حيث استهدف الاحتلال الفرنسي طمس هوية الجزائر ودمجها باعتبارها جزءًا من فرنسا، وذلك بهدم عقيدة الأمة، وإماتة روح الجهاد فيها، وإفساد أخلاقها، وإقامة فواصل بينها وبين هويتها وثقافتها وتراثها، ومحاربة اللغة العربية وإحلال الفرنسية محلها، لتكون لغة التعليم والثقافة والتعامل بين الناس.


  غير أن الأمة لم تستسلم لهذه المخططات، فقاومت بكل ما تملك، ودافعت بما توفر لديها من إمكانات، وكانت معركة الدفاع عن الهوية واللسان العربي أشد قوة وأعظم تحديًا من معارك الحرب والقتال، وقد عبّر ابن باديس، عن إصرار أمته وتحديها لمحاولات فرنسا بقوله: "إن الأمة الجزائرية ليست هي فرنسا، ولا يمكن أن تكون فرنسا، ولا تريد أن تصير فرنسا، ولا تستطيع أن تصير فرنسا لو أرادت، بل هي أمة بعيدة عن فرنسا كل البعد، في لغتها، وفي أخلاقها وعنصرها، وفي دينها، لا تريد أن تندمج، ولها وطن محدد معين هو الوطن الجزائري".
  
    آمن ابن باديس بأن العمل الأول لمقاومة الاحتلال الفرنسي هو التعليم، وهي الدعوة التي حمل لواءها الشيخ محمد عبده، في مطلع القرن الرابع عشر الهجري، وأذاعها في تونس والجزائر خلال زيارته لهما سنة (1321هـ= 1903م)، فعمل ابن باديس على نشر التعليم، والعودة بالإسلام إلى منابعه الأولى، ومقاومة الزيف والخرافات، ومحاربة الفرق الصوفية الضالة التي عاونت المستعمر.
  
    بدأ ابن باديس جهوده الإصلاحية سنة 1913، ويُعدّ الجانب التعليمي والتربوي من أبرز مساهمات ابن باديس التي لم تقتصر على الكبار، بل شملت الصغار أيضًا، وتطرقت إلى إصلاح التعليم تطوير ومناهجه، وكانت المساجد (مثل الجامع الأخضر، ومسجد سيدي قموش، والجامع الكبير بقسنطينة)  هي الميادين التي يلقي فيها دروسه خاصة دروس تفسير القرآن ، فاستمع إليه المئات، وجذبهم حديثة العذب، وفكره الجديد، ودعوته إلى تطهير العقائد من الأوهام والأباطيل التي علقت بها (ظل ابن باديس يلقي دروسه في تفسير القرآن حتى انتهى منه بعد خمسة وعشرين عامًا)  وكان التعليم في هذه المساجد لا يشمل إلا الكبار، في حين اقتصرت الكتاتيب على تحفيظ القرآن للصغار، فعمد ابن باديس إلى تعليم هؤلاء الصغار بعد خروجهم من كتاتيبهم.

   لكن عبدالحميد لم يكتف بإلقاء الدروس فقط و إنما حاول نشر أفكاره و آراءه و كانت مبادئه تعتمد على ربط الدين بالعلم، فاتخذت حركته طابعا ثقافيا سياسيا لان المسلمون مطالبون بالتعلم، و من ثم دعوته إلى نشر العلم كانت ذات دعامة إسلامية تشد من أزرها و تشجعها على إذكاء روح الوطنية، و كان بذلك بداية الدعوة السياسية.و هذا يفسر لنا اهتمامه بتعليم الأطفال الصغار بجانب الرجال الكبار، فلم يوجه دعوته إلى الرجال فقط و إنما أشرك بها الأطفال لأنهم شباب الغد و عماد الوطن.


   ثم بعد بضع سنوات أسس جماعة من أصحابه مكتبًا للتعليم الابتدائي في مسجد سيدي بومعزة، ثم انتقل إلى مبنى الجمعية الخيرية الإسلامية التي تأسست سنة (1336هـ= 1917م)، ثم تطوّر المكتب إلى مدرسة جمعية التربية والتعليم الإسلامية التي أنشئت في (رمضان 1349 هـ= 1931م) وتكونت هذه الجمعية من عشرة أعضاء برئاسة الشيخ عبد الحميد بن باديس. وقد هدفت الجمعية إلى نشر الأخلاق الفاضلة، والمعارف الدينية والعربية، والصنائع اليدوية بين أبناء المسلمين وبناتهم، ويجدر بالذكر أن قانون الجمعية نصّ على أن يدفع القادرون من البنين مصروفات التعليم، في حين يتعلم البنات كلهن مجانًا.
  
   وكوّن ابن باديس لجنة للطلبة من أعضاء جمعية التربية والتعليم الإسلامية، للعناية بالطلبة ومراقبة سيرهم، والإشراف على الصندوق المالي المخصص لإعانتهم، ودعا المسلمين الجزائريين إلى تأسيس مثل هذه الجمعية، أو تأسيس فروع لها في أنحاء الجزائر، لأنه لا بقاء لهم إلا بالإسلام، ولا بقاء للإسلام إلا بالتربية والتعليم.
  
    وحثّ ابن باديس الجزائريين على تعليم المرأة، وإنقاذها مما هي فيه من الجهل، وتكوينها على أساسٍ من العفة وحسن التدبير، والشفقة على الأولاد، وحمّل مسؤولية جهل المرأة الجزائرية أولياءها، والعلماء الذين يجب عليهم أن يعلّموا الأمة، رجالها ونساءها، وقرر أنهم آثمون إثمًا كبيرًا إذا فرطوا في هذا الواجب.


   و نرى إلى جانب إلقائه الدروس، قام بإنشاء صحيفة المنتقد عام 1925م متحديا المذاهب التي اتخذت شعار " اعتقد و لا تنتقد" و كذلك أنشأ صحيفة الشهاب عام 1926 التي كانت تدعو إلى المساواة و العدل بالإضافة إلى إنشاء جمعية العلماء المسلمين عام 1931. و قد أنشأ عبد الحميد بمساعي الجمعية تلك 170 مدرسة بالإضافة إلى كتاتيب انتشرت في كل مكان و التي أخذ الفرنسيون بمحاربتها من كل اتجاه.


   وشارك ابن باديس في محاولة إصلاح التعليم في جامع الزيتونة بتونس، وبعث بمقترحاته إلى لجنة وضع مناهج الإصلاح التي شكّلها حاكم تونس سنة (1350 هـ=1931م)، وتضمن اقتراحه خلاصة آرائه في التربية والتعليم، فشمل المواد التي يجب أن يدرسها الملتحق بالجامع.

 ابن باديس وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين
    
   احتفلت فرنسا بالعيد المئوي لاحتلال الجزائر في سنة (1349هـ= 1930م) فشحذ هذا الاحتفال البغيض همّة علماء المسلمين في الجزائر وحماسهم وغيرتهم على دينهم ووطنهم، فتنادوا إلى إنشاء جمعية تناهض أهداف المستعمر الفرنسي، وجعلوا لها شعارًا يعبر عن اتجاههم ومقاصدهم هو: "الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا"، وانتخبوا ابن باديس رئيسًا لها.
وقد نجحت الجمعية في توحيد الصفوف لمحاربة المستعمر الفرنسي وحشد الأمة الجزائرية ضدها، وبعث الروح الإسلامية في النفوس، ونشر العلم بين الناس، وكان إنشاء المدارس في المساجد هو أهم وسائلها في تحقيق أهدافها، بالإضافة إلى الوعّاظ الذين كانوا يجوبون المدن والقرى، لتعبئة الناس ضد المستعمر، ونشر الوعي بينهم.
وانتبهت فرنسا إلى خطر هذه التعبئة، وخشيت من انتشار الوعي الإسلامي؛ فعطّلت المدارس، وزجّت بالمدرسين في السجون، وأصدر المسئول الفرنسي عن الأمن في الجزائر، في عام (1352هـ= 1933م) تعليمات مشددة بمراقبة العلماء مراقبة دقيقة، وحرّم على غير المصرح لهم من قبل الإدارة الفرنسية باعتلاء منابر المساجد، ولكي يشرف على تنفيذ هذه الأوامر، عيّن نفسه رئيسًا للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
  
    ولكي ندرك أهمية ما قام به ابن باديس ورفاقه من العلماء الغيورين، يجب أن نعلم أن فرنسا منذ أن وطأت قدماها الجزائر سنة (1246 هـ= 1830م) عملت على القضاء على منابع الثقافة الإسلامية بها، فأغلقت نحوا من ألف مدرسة ابتدائية وثانوية ، كانت تضم مائة وخمسين ألف طالب أو يزيدون، ووضعت قيودًا مهنية على فتح المدارس، التي قصرتها على حفظ القرآن لا غير، ومنعتها من التعرض لتفسير آيات القرآن، وبخاصة الآيات التي تدعو إلى التحرر، وتنادي بمقاومة الظلم والاستبداد، وعدم دراسة تاريخ الجزائر، والتاريخ العربي الإسلامي، والأدب العربي، وتحريم دراسة المواد العلمية والرياضية.
  
   هذا هو الرجل الذي كان قلبَ الجزائر النابض، وروحها الوثابة، وضميرها اليقظ، وفكرها المتبصر، ولسانها المبين، لم يضعف أمام هجمات الاستعمار المتتالية ولم يستسلم لمناوراته وتهـديداته، ولا للإغراءات والمساومات، بل بقي ثابتاً علـى مبادئه صامداً حتـى آخـر حيـاته.‏ ولعل أصـدق ما قيل فيه كلمة الشيخ العربي التبسي: «لقد كان الشيخ عبد الحميد هو الجزائر؛ فلتجاهد الجزائر الآن أن تكون هي الشيخ باديس».
  
   خير ما نختم به هذا المقال قولةٌ لابن باديس جاء فيها:«أتمنى لإخواننا في كل ناحية أن يشتغلوا بما يهم وينفع، ويُعلِي ويرفع، ويُعِرضوا عن سفاسف الأمور، وبسائط المسائل؛ فدينهم دين العلم والمدنية، لا دين الجمود والهمجية وعصرهم عصر جد وفصل، لا عصر لعب وهزل، والمتخلف عن القافلة هو - بلا شك - عرضة للأتعاب وطُعمَة للذئاب».


  
   المصدر: (بتصرف)


منتديات أبو الحسن التعليمية- بحث كامل حول يوم العلم جديد 


مجلة البيان- دراسات تاريخية- ملامح من منهج الإصلاح عند عبد الحميد بن باديس و أثرها في تشييد الوحدة المغاربية - د. حمودة السعدي


منتدى الأنثربولوجيين والاجتماعيين العرب- عبد الحميد بن با ديس رمز الإصلاح الجزائري
تنبيه : المرجوا عدم نسخ الموضوع بدون ذكر مصدره المرفق بالرابط المباشر للموضوع الأصلي وإسم المدونة وشكرا

هل اعجبك هذا الموضوع ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).